کان دأب الناس و دیدنهم فی جمیع البلدان، و صار هذا الامر مر کوزا فی أذهان جمیع المسلمین حتی أصحاب الائمة (ع)، فکان جمیع الاخبار الصادرة عنهم (ع) ملقاة الی الذین ارتکز فی أذهانهم کونه اقامة الجمعة من خصائص الخلفاء و الامراء و لم یکن یخطر ببالهم جواز اقامة سائر الناس لها. فلو کان حکم الله و رأی الائمة (ع) علی خلاف ذلک لکان یجب علیهم بیان ذلک و تکراره و الاصرار علیه و اعلام أصحابهم بانه یجب علی جمیع المسلمین السعی فی اقامتها و أنها لا تختص ببعض دون بعض، کما استقر علی ذلک سیرتهم (ع) فی جمیع المسائل التی خالف فیها أهل الخلاف لاهل الحق کمسالتی العول و التعصیب و نحوهما.لقائل أن یقول: انه انما یجب علی الائمة (ع) اعلام أصحابهم بما هو الحق و الاصرار علیه اذا کان ظهور الحق متوقفا علی اعلامهم (ع)، کما اذا اتفق اجماع فقهاء المخالفین و اتفاقهم علی خلاف الحق، لا ما اذا لم یتفقوا بل أفتی بعضهم علی وفق ما هو الحق. و فی مسالتنا هذه و ان أفتی أبو حنیفة بالاشتراط و کون اقامة الجمعة من المناصب الخاصة لکن جل فقهائهم کالشافعی و مالک و أحمد قد أفتوا بعدم الاشتراط، غایة الامر أن الخلفاء و الامراء قد ابتزوها و جعلوها من المناصب المختصة لانفسهم و لم یتمکن غیرهم من اقامتها خوفا منهم، و لاجل ذلک لم یکونوا یقیمونها فی بلادهم، و لم یکن من وظائف الائمة (ع) تعریض أنفسهم لمکافحة خلفاء الجور و أمرائهم مع کون الحق واضحا لاهله. و بالجملة السیرة المدعاة لعلها نشات من اجبار خلفاء الجور و عدم تمکن الناس من مخالفتهم. هذا مضافا الی أنه قد تنتقض هذه السیرة بالسیرة المستمرة فی الجماعة، فان اقامتها فی جمیع الصلوات أیضا کان بتصدی النبی (ص) و الخلفاء و الامراء و کان ینصبون لها أشخاصا معینة، اللهم الا أن یقال انها أیضا کانت من المناصب الخاصة غایة الامر أن الائمة (ع) قد أذنوا لشیعتهم فی اقامتها، فتامل ح ع - م.
و بالجملة لو لم یکن الامام أو من نصبه شرطا فی اقامة الجمعة و کانت اقامتها من وظائف جمیع المسلمین لبینها النبی (ص) و أو صیاؤه و صارت من الصدر الاول کسائر الفرائض الیومیة من ضروریات الدین بحیث یعرفها جمیع المسلمین حتی النساء و الصبیان، و کان سکان کل مصر أو قریة أو بادیة یقیمونها فی بلدتهم و محلهم