و ربما یقال أیضا فی الجواب عن الاشکال: ان التواری من باب التفاعل الدال علی المشارکة، فالمراد حصول الخفاء من الطرفین.
و فیه أن التفاعل انما یدل علی المشارکة اذا عطف علی فاعله بالواو کقولنا: "تضارب زید و عمرو"، لا مطلقا، فلا یدل التواری المذکور فی الروایة علی الاشتراک .
ثم ان الظاهر من الحدیث أن الاعتبار بنفس البیوت لا بسور البلد، و بالبیوت المتعارفة لا کثیرة الارتفاع المتداولة فی أعصارنا، و ببیوت البلد من القریة أو المصر أو الخیم المتلاصقة لا ببیوت المحلة و ان عظم البلد؛ ما لم یبلغ فی الکبر حدا یطلق علی من خرج من محلة منها الی محلة أخری عنوان المسافر. و المراد بالتواری هو التواری الحاصل بسبب نفس البعد لا بسبب الجبال و الاشجار المحیطة بالبلد و ارتفاع الارض و انخفاضها، و الاعتبار فی العین بما توسط فی الحدة و الضعف. و هذا کله واضح لا سترة علیه.
هذا مما یتعلق بالحد الاول المذکور فی روایة محمد بن مسلم.
و أما خفاء الاذان فالظاهر أن المراد به خفاء ما تعارف من أذان المصر، الصادر عن مؤذن متوسط الصوت، فی الماذنة المعدة له، فی الهواء المتوسط؛ لاکل أذان و لو کان فی صحن المسجد مثلا. و اذا کبر المصر و تعدد الاذان المتعارف فیه کان الاعتبار بما یکون فی جهة طریق المسافر، کما أن الظاهر عدم دخل خصوصیة الاذان بل هو بنظر العرف من باب المثال. فالملاک خفاء الاصوات المرتفعة فی البلد أی صوت کان. و بذلک یظهر أن الاعتبار فی خفاء الاذان بخفاء أصل الصوت، بحیث لا یسمع شیئا، لا عدم تمییز فصوله فقط و ان توهم.
ثم انه لا ریب فی عدم دخالة فعلیة البیوت أو الاذان، بل المراد حصول البعد عن المقر الفعلی بمقدار یخفی علیه البیوت أو الاذان علی فرض وجودهما. فالملاک هو مقدار البعد الملازم لهذین الحدین، أو لاحدهما، علی الخلاف الاتی.