التغرب عن الوطن و البعد عنه. فمن مربوطنه و لو آنا مافقد خرج عن موضوع المسافر حقیقة و صار مصداقا للحاضر، و لایشمله فی هذا الحال أدلة التقصیر قطعا. و حینئذ فاذا خرج عن وطنه ثانیا یکون خروجه هذا انشاء لسفر جدید، لانقطاع السفر السابق حقیقة بالحضور فی الوطن، و لو فرض اطلاق المسافر علیه فی هذا الحال فانما هو بنحو من العنایة و اذا انقطع السفر اللاحق عن السابق حقیقة و صارا فردین مستقلین للسفر کان لکل منهما حکمه، و المفروض قصور کل منهما عن مقدار المسافة، فلایثبت القصر أصلا.
فهذا اجمالا مما لاشک فیه. و انما المهم بیان حقیقة الوطن و ما هو المراد منه، مع قطع النظر عما نسب الی المشهور من اثبات الوطن الشرعی باقامة ستة أشهر، فانه أمر آخر و سیاتی بیانه. و المقصود فعلا بیان ماقد یسمونه بالوطن العرفی.
فنقول: الظاهر أن انتزاع مفهوم الوطنیة عن مکان لیس بلحاظ الاعتبارات و الحالات السابقة من کون المکان محلا لولادة الشخص، أو مسکنا لابائه و أجداده، أو مقرا لابویه حین ولادته و نحو ذلک، و لابلحاظ الاعتبارات و الحالات اللاحقة، ککونه عازما علی الاقامة فیه الی حین موته أو الی أمد بعید. و بالجملة لیس انتزاع مفهوم الوطنیة عن مکان بلحاظ الحالات و الاضافات السابقة أو اللاحقة، بل هی مفهوم تحکی عن علقة و اضافة فعلیة بین الشخص و المکان المخصوص بحسب الوضع الفعلی لهذا الشخص، حیث ان کل شخص یختار بحسب طبعه و میله بلدا من البلاد لاقامته و اقامة أهله و أولاده، و یوجد بینه و بین هذا البلد علقة خاصة، بحیث لوخلی و طبعه یکون باقیا فی هذا المکان و یکون خروجه منه أمرا طارئا ناشئا من المزعجات و القواسر الطارئة و یرجع الیه بحسب طبعه بعدما ارتفع القواسر. فهذا البلد یسمی عرفا بالوطن.
و بعبارة أخری: الوطن عبارة عما هو المقر الفعلی للشخص بحسب وضعه