"اشتهر علی ألسنة العلماء أن العامة فی زمن الخلفاء لما رأوا تشتت المذاهب فی الفروع و اختلاف الاراء، بحیث لم یمکن ضبطها فقد کان لکل واحد من الصحابة و التابعین و من تبعهم مذهب برأسه فی المسائل الشرعیة و الاحکام الدینیة، التجأوا الی تقلیلها فأجمعوا علی أن یجمعوا علی بعض المذاهب...
فالعامة أیضا لما اضطربت اتفقت کلمات رؤسائهم و عقیدة عقلائهم علی أن یأخذوا من أصحاب کل مذهب خطیرا من المال و یلتمسوا آلاف ألف دراهم و دنانیر من أرباب الاراء فی ذلک المقال.
فالحنفیة، و الشافعیة، و المالکیة، و الحنبلیة لوفور عدتهم و بهور عدتهم جاؤوا بما طلبوه، فقرروهم علی عقائدهم.
و کلفوا الشیعة، المعروفة فی ذلک العصر بالجعفریة، لمجئ ذلک المال الذی أرادوا منهم، و لما لم یکن لهم کثرة مال توانوا فی الاعطاء و لم یمکنهم ذلک .
و کان ذلک فی عصر السید المرتضی (ره) و هو قد کان رأسهم و رئیسهم، و قد بذل جهده فی تحصیل ذلک المال و جمعه من الشیعة فلم یتیسر له، حتی انه کلفهم بأن یجیوؤا بنصف ما طلبوه و یعطی النصف الاخر من خاصة ماله، فما أمکن للشیعة هذا العطاء. فلذلک لم یدخلوا مذهب الشیعة فی تلک المذاهب، و أجمعوا علی صحة خصوص الاربعة و بطلان غیرها. فآل أمر الشیعة الی ما آل فی العمل بقول الال السادة الانجاب.
و العامة قد جوزوا الاجتهاد فی المذهب و لم یجوزوا الاجتهاد من المذهب، حتی انهم لم یجوزوا تلفیق أقوال هذه الاربعة و القول فی بعض المسائل بقول بعض و فی بعضها بقول الاخر. و استمروا علی هذا الرأی الی یومنا هذا، و لم یخالفهم أحد منهم فی تلک الاعصار المتمادیة سوی محیی الدین العربی المعاصر لفخر الدین الرازی، حیث خالفهم فی الفروع؛ فتارة یقول بقول واحد من هؤلاء الائمة الاربعة فی مسألة و یقول فی مسألة أخری بقول الاخر، و تارة یخترع فی بعض المسائل و ینفرد بقول
.jpg)
