أما القسم الاول، فلا خلاف فیها و لااشکال و لامجال فیها للاجتهاد و الاستنباط.
و أما القسم الثانی المتوقف علی اعمال الاجتهاد و النظر، فلا محالة قد یقع فیها الخلاف لاختلاف فی معانی بعض الالفاظ، أو للاختلاف فی صحة الحدیث و ضعفه، أو لاختلاف الروایات المنقولة، أو للاختلاف فی أسباب الترجیح عند التعارض، أو للاختلاف فی حجیة بعض الامور و عدم حجیتها کالمفاهیم و خبر الواحد و الاجماع و لاسیما المنقول منه و الشهرة بقسمیها و کحجیة أقوال الائمة الطاهرین من العترة الثابتة عندنا و حجیة أقوال الصحابة عند بعض السنة، و حجیة القیاس و الاستحسانات الظنیة عندهم و نحو ذلک . و یرجع الجمیع الی الاختلاف فی الدرک أو المدرک .
و فی هذا القسم قد وقع البحث فی أن الاراء المستنبطة المختلفة کلها حق و صواب، أو أن الحق واحد منها و الباقون مخطؤون و ان کانوا معذورین ؟
فاتفق أصحابنا الامامیة علی أن لله - تعالی - فی کل واقعة خاصة حکما واحدا یشترک فیه الجمیع. و جمیع المسلمین مأمورون أولا و بالذات بالعمل به. فالدین فی جمیع المراحل واحد و الشرع واحد و الحق واحد، و انما الاختلاف وقع فی احراز الواقع و استنباطه من منابعه، فأصابه بعض و أخطأه بعض آخر.
فلیست الاجتهادات المختلفة فی مسألة واحدة یمثل کلها حکم الله المنزل علی رسوله و ان جاز العمل بها لاهلها فی الظاهر، و انما تکون آراء الفقهاء و المجتهدین طرقا محضة قد تصیب الواقع و قد تخطئه، کما أن العلم الذی هو أم الحجج و تکون حجیته ذاتیة یکون کذلک، و کذلک سائر الطرق و الامارات العقلائیة و الشرعیة .
فکأن حکم الله الواقعی دفین فی خلال مبانیه و مصادره و یستخرجه الفقیه باستنباطه؛ فقد یعثر علیه و قد یخطئ، و یکون لمصیب أجران و للمخطئ أجر واحد.
فلیس الحکم الواقعی تابعا لمفاد الطریق، مجعولا علی وفقه کیفما کان، کما لایوجب قیام الطریق علی خلاف الواقع تبدل الواقع و انقلابه الی مفاد الطریق.
هذا ما علیه أصحابنا الامامیة . فهم بأجمعهم ینکرون التصویب. و یسمون بذلک مخطئة .