و قد مر البحث فی سند الحدیث فی الفصل الثالث من الباب الخامس، فراجع. و مر أنه و ان استدلوا بالحدیث لاثبات منصبی الولایة و القضاء للفقیه و لکن القدر المتیقن منه هو القضاء فقط علی فرض دلالته علی النصب، کما لعله الظاهر من قوله: "فانی قد جعلته."
و تقریب الاستدلال به للمقام هو أن الظاهر من قوله: "روی حدیثنا" کون حدیث العترة الطاهرة أساس حکمه و قضائه، فی قبال من کان یعتمد علی القیاس و الاستحسانات الظنیة . و مقتضی ذلک کونه مجتهدا، اذ منبع علم المقلد هو فتوی المجتهد لاالاحادیث الصادرة عنهم - علیهم السلام - .
و الظاهر من قوله (ع): "نظر فی حلالنا و حرامنا و عرف أحکامنا" أیضا کونه من أهل النظر و المعرفة بالنسبة الی أحکام الائمة (ع) و فتاواهم الصادرة عنهم فی الحلال و الحرام، و أن یعلم أن ما یحکم به هو حکمهم (ع). و ظاهر ذلک أیضا اعتبار الاجتهاد، اذ لایصدق علی المقلد لغیره أنه نظر و عرف، فان المعرفة انما تصدق مع الاحاطة بجمیع خصوصیات الشئ و ممیزاته. ففرق بین العلم الاجمالی بوجود الشئ، و بین معرفته بخصوصیاته.
و تشخیص أحکام الائمة (ع) و فتاواهم فی الحلال و الحرام من خلال أحادیثهم المرویة، و لاسیما اذا کانت متعارضة بحسب الظاهر أو محتاجة الی الشرح و التفسیر لایتیسر الا لمن کان له ملکة الاجتهاد و الفقاهة .
و کذلک قوله (ع) فی جواب سؤال السائل عن صورة اختلاف الرجلین: "الحکم ما حکم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما فی الحدیث".
و قول السائل فی ذیل الحدیث: "أرأیت ان کان الفقیهان عرفا حکمه من الکتاب و السنة" کل ذلک مما یظهر منه اعتبار الفقاهة فی من نصبه الامام الصادق (ع) للقضاء بالنصب العام.
و احتمال أن الاجتهاد أخذ طریقا لاموضوعا، فالملاک هو الاطلاع علی الاحکام و وقوع القضاء علی وفق الحق ولو کان عن تقلید، مخالف لظاهر الحدیث جدا.