و نحن نعتقد ان الله - تعالی - من بدو نشاءة الانسان و خلقه لم یخلهم من الانبیاء و الهداة الی الله - تعالی - بل أول من خلقه منهم کان نبیا، فلعل الحکومة و مقرراتها بسذاجتها کانت من جملة البرامج التی أتی بها الانبیاء من ناحیة الوحی حسب حاجة الانسان الیها فی طبعه و ذاته.
فمنشاء الدولة و الحکومة فی بادی الامر هو أمر الله و وحیه و ان انحرفت بعد ذلک عن مسیرها الصحیح بتغلب الظالمین و الطغاة . و فی الحدیث عن النبی (ص) قال: "کانت بنواسرائیل تسوسهم الانبیاء کلما هلک نبی خلفه نبی، و انه لا نبی بعدی و ستکون خلفاء فتکثر."صحیح مسلم 1471/3، الحدیث 1842، کتاب الامارة، الباب 10 (باب وجوب الوفاء ببیعة الخلفاء...).
3 - أنحاء الحکومات الدارجة فی البلاد:
الاولی: الملکیة المطلقة الاستبدادیة، و ذلک بان یتسلط الفرد بالقهر و الغلبة و بقوة العساکر و السلاح علی البلاد و العباد، و ینزل بمعارضیه أشد العقوبات، و لا یتقید بقانون ولا ضابطة خاصة بل یجعل مال الله دولا و عباده خولا، یحکم فیهم بمایهوی و یرید، و یتصور کون السلطة ملکا طلقا له ولوارثه نسلا بعد نسل. و ربما یبلغ هذا السلطان فی استعلائه و استکباره حدا یسمی نفسه ظل الله فی أرضه و مظهرا لقدرته و سلطنته، و قد یصل الی حد یدعی الربوبیة کما اتفق لفرعون و أمثاله. و هذا القسم من الحکومة من ارداء أنواعها عند العقل و الفطرة . و أحسن التعبیر عن هذا النوع من الحکومة هو ما حکاه الله - تعالی - عن ملکة سباء "قالت: ان الملوک اذا دخلوا قریة افسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة، و کذلک یفعلون."سورة النمل (27)، الایة 34.
الثانیة : الملکیة المشروطة المستحدثة فی الاعصار الاخیرة، بان تعتبر الملکیة حقا ثابتا وراثیا و لکن الملک محدود مقید، و یکون تدبیر الامور محولا الی القوی الثلاث: