فیتعین الثالث، أعنی الانتخاب و هو المطلوب.
و لاجل ذلک استمرت سیرة العقلاء فی جمیع الاعصار و الظروف علی الاهتمام بذلک و تعیین الولاة و الحکام بانتخاب ماهو الاصلح و الالیق بنظر هم و اظهار التسلیم و الاطاعة له بالبیعة و نحوها من الطرق، و لم تخل حیاة البشر حتی فی الغابات و فی العصور الحجریة أیضا من دویلة ما تحقق کیانهم و تدافع عن مصالحهم.
و الله - تعالی - جعل فی الانسان غریزة الانتخاب، و مدح عباده علی اعمال هذه الغریزة و انتخاب المصداق الاحسن فقال: "فبشر عباد الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه."سورة الزمر (39)، الایة 17 و 18.
الامر الثانی:
استمرار سیرة العقلاء فی جمیع الاعصار و الظروف علی الاستنابة فی بعض الاعمال، و علی تفویض مایعسر انفاذه مباشرة الی من یقدر علیه و یتیسر له. و من جملة ذلک، الامور العامة التی یحتاج الیها المجتمع أو خوطب بها المجتمع و یتوقف انفاذها علی مقدمات کثیرة و قوات متعاضدة، کالدفاع عن البلاد و ایجاد الطرق و وسائل الارتباط و المخابرات العامة و نحوها مما لایتیسر لکل فرد فرد تحصیلها شخصا و مباشرة، فینتخبون لذلک والیا متمکنا و یفوضونها الیه و یساعدونه علی تحصیلها. و من هذا القبیل أیضا اجراء الحدود و التعزیرات و فصل الخصومات، حیث انه لایتیسر لکل فرد فرد التصدی لها، بل یوجب ذلک الهرج و المرج و اختلال النظام، فیفوض اجراؤها و تنفیذها الی من یتبلور فیه کل المجتمع، و هو الوالی المنتخب من قبلهم. فوالی المجتمع کأنه ممثل لهم و نائب عنهم فی انفاذ الامور العامة .
و الاستنابة و التوکیل أمر عقلائی استمرت علیه السیرة فی جمیع الاعصار و أمضاه الشرع ایضا.