و بعبارة ثالثة : الاطلاق عبارة عن لحاظ الطبیعة بذاتها، و رفض القیود و الغائها باجمعها، و لیس معناه اعتبار القیود و الحیثیات المتحدة و دخالتها فی الموضوع حتی تصیر الطبیعة فی کل مورد بضمیمة القیود المنضمة الیها موضوعا للحکم، فیکون الموضوع مرکبا من حیثیات متعددة بعدد العناوین الطارئة .
اذا عرفت هذا فنقول: معنی الاطلاق فی قوله: أکرم العلماء کون حیثیة العالم تمام الموضوع للحکم، بحیث لا تکون لحیثیة العدالة أو الفسق أو غیرهما من الحیثیات المتحدة معه دخالة فی الحکم أصلا، و لیس معناه وجود موضوعات متعددة کما یظهر من کلام المستدل. و قد تلخص مما ذکرنا: عدم جواز التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة للمخصص؛ و ان ما یتوهم من اثبات الحکم للمشکوک فیه باصالة التطابق بین الارادتین، أو بالاطلاق الاحوالی فاسد جدا؛ اذ مقتضی الاول تکفل العموم بوحدته لبیان حکمین طولیین: واقعی و ظاهری، و مقتضی الثانی کون معنی الاطلاق لحاظ القیود و اعتبارها فی الموضوع، و فسادهما أظهر من الشمس و أبین من الامس لقائل أن یقول: ان أصالة الجد و التطابق بین الارادة الاستعمالیة و الجدیة لیست من الاصول العملیة حتی یکون الحکم المستفاد بسببها حکما ظاهریا محمولا علی الشک، بل هی من الامارات؛ فان أصالة الجد فی العمومات عبارة أخری عن أصالة العموم کما لا یخفی، و هی من الامارات قطعا. نعم بعد تحکیم الخاص علی العام و رفع الید عنه بسببه من جهة أظهریته لا یبقی مجال للتمسک بالعام فیما احتمل خروجه منه؛ فان المفروض تحکیم الخاص علیه؛ و لیس معنی التحکیم الا تقدیمه فی الحجیة فی کل ما هو فرد له فتصیر النتیجة قصر حجیة العام علی ما بقی، و لیس مفاد أصالة التطابق الا حجیة العام کما عرفت؛ فقصر حجیة العام علی ما بقی مساوق لقصر أصالة التطابق علیه، فیکون الفرد المشتبه شبهة مصداقیة لمجری أصالة التطابق فلا یجوز التمسک بها و بعبارة أخری: أصالة التطابق من الاحکام العقلائیة، فحجیتها تدور مدار اعتبارهم، و الفرض أنهم یحکمون الخاص فی مقام الحجیة علی العام، فتصیر النتیجة تضییق مجری أصالة التطابق فی طرف العام، فالشبهة المصداقیة للمخصص شبهة مصداقیة لمجراها أیضا، فافهم. فاتضح بذلک عدم جواز التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة . و یمکن أن یقرر الدلیل علیه بوجه آخر، و هو: أن أصالة التطابق أصل عقلائی، و لیست حجیتها الا من جهة السیرة، فحیث اعتبروها عملنا بها، و حیث ردوها أو شککنا فی اعتبارهم لها رددناها، و بذلک یظهر الفرق بین المخصص اللفظی و اللبی، کما ذکر فی الکفایة . فالاقوی هو الفرق بینهما، کیف؛ و لو لم یجز التمسک بها حتی فی اللبیات لم یبق لنا عام جائز العمل، فان کان عام مخصوص عقلا بما اذا لم یزاحم ملاک حکمه بملاک أقوی واقعا، و لا حکم من الاحکام الشرعیة الا و یحتمل فیه عروض ملاک أقوی یرفع به الحکم التابع للملاک الاول، فافهم. ح ع - م..