و قد أجاب (قده) عن ذلک بان عدم صدور الواحد عن الاثنین، و کون العلة بحسب الحقیقة عبارة عن الجامع أمر تقتضیه الدقة العقلیة و العرف غافل عنه، و المرجع لفهم المعانی هو العرف لایخفی أن دلیل امتناع صدور الواحد عن الکثیر لو جری فی هذه المقامات فلایمکن الجواب عنه بعدم فهم العرف لعدم امکان الالتزام بالمحذور العقلی تمسکا بعدم فهم العرف، اللهم الا أن ینکر ظهور هذا النحو من الخصوصیة (التی لایحتاج فی بیانها الی مؤنة زائدة) فی کونها دخیلة لعدم جریان دلیل اللغویة بعد ما لم یکن بیان ذی الخصوصیة أکثر مؤنة من بیان الجامع.ح ع - م..
أقول: یمکن أن یقرب ماذکرناه هنا بالتقریب الذی ذکرناه فی أصل المفهوم بان یقال: ان بناء العرف و العقلاء علی حمل کلام الغیر و جمیع خصوصیاته علی کونها صادرة للفائدة حذرا من اللغویة، فاذا علق الحکم علی المجئ، فکما یفهم العرف من أصل تعلیق الحکم علی القید کون القید دخیلا، بتقریب: أنه لو لم یکن دخیلا لما ذکره المولی، فکذلک یفهم من خصوصیة القید أیضا کون الخصوصیة أیضا دخیلة، و الا لم صح ذکره بخصوصه، بل وجب ذکر الجامع بین الواجد لها و الواجد لغیرها من الخصوصیات. و بهذا البیان یستحکم أساس المفهوم بمعنی الانتفاء عند الانتفاء و ان استشکلنا فیه أولا، فتدبر.
و قد تلخص مما ذکرناه فی باب المفاهیم أن مسلک القدماء فیها یخالف مسلک المتاخرین، فالمتاخرون قد أسسوا بناء مفهوم الشرط مثلا علی استفادة العلیة المنحصرة، و أما القدماء فقد أسسوا بناء جمیع المفاهیم علی أمر عقلائی، و هو ظهور الفعل الصادر عن الغیر( و منه التکلم بالخصوصیات) فی کونه صادرا عنه لغایته النوعیة، و الغایة النوعیة للقید هی الدخالة .
تذنیب: المفهوم فی الجمل الانشائیة :
اذا قال: "وقفت مالی علی أولادی الفقراء" أو "ان کانوا فقراء"، فلاشبهة فی عدم ثبوت الوقف لغیر الفقراء؛ و لکن لیس ذلک من جهة حجیة المفهوم، بل من جهة أن الوقف قد أنشا بهذا اللفظ، و صار موجودا بنفس هذا الانشاء، و المفروض أن المنشا به هو الوقف علی الفقراء خاصة، فلامجال لثبوته لغیرهم.
توضیح ذلک : أن مفاد القضیة الشرطیة مثلا هو ثبوت محمول التالی لموضوعه علی تقدیر ثبوت المقدم، و بعبارة أخری: ثبوت الحکم فی التالی معلق علی ثبوت المقدم، و مقتضی دلالتها علی المفهوم - علی مذاق القوم - هو انتفاء ما هو المعلق عند انتفاء المعلق علیه، فان ما یقتضیه التعلیق هو انتفاء نفس ما علق علی المقدم عند انتفاء المقدم لاانتفاء أمر آخر.