و اذا ظهر لک ما ذکرنا فنقول: بناء علی ظهور هذا السنخ من النواهی فی الارشاد (کما هو الظاهر) فدلالتها علی الفساد واضحة، سواء فی ذلک العبادات و المعاملات، و أما بناء علی انکار ذلک، وادعاء ظهورها فی الحرمة المولویة فهل تلازم الحرمة للفساد أو لا تلازم أو یفصل بین العبادات و المعاملات ؟ الظاهر هو التفصیل؛ ففی العبادات تلازم الحرمة للفساد لاحتیاجها الی قصد القربة، و الحرمة تلازم المبغوضیة، فیکون اتیان المحرم مصداقا للتمرد و العصیان، و مبعدا عن ساحة المولی، و المبعد لا یکون مقربا، و قد فصلنا ذلک فی مبحث الاجتماع.
و أما فی المعاملات فلا تلازم الحرمة الفساد، لعدم اشتراطها بالقربة و عدم التنافی بین المبغوضیة و بین أن تتحقق مضامینها، و الفرض عدم کون النهی أیضا ظاهرا فی الارشاد الی مانعیة شئ لتحققها، فلاوجه لفسادها من غیر فرق بین المعاملات بالمعنی الاخص و بین غیرها، کالغسل و التطهیر، و نحو ذلک من الموضوعات الشرعیة التی تترتب علیها آثارها قهرا، و ان صدرت مبغوضة .
الاول: النهی الارشادی و المولوی: قد قسم الشیخ (قده) - علی ما فی تقریرات بحثه - النهی المتعلق بالعبادة الی قسمین: الارشادی، و التحریمی المولوی، فقال: بدلالة الاول علی الفساد قطعا، و دلالة الثانی أیضا فی الجملة . و قسم النهی المتعلق بالمعاملة الی أربعة أقسام:
أحدها: الارشادی، و الثلاثة الاخر: مولویة تحریمیة .
فاولها: أن یتعلق النهی بالمعاملة بما هی فعل مباشری (و بعبارة أخری) بالسبب، أعنی نفس الایجاب و القبول، کالنهی المتعلق بالبیع وقت النداء.
الثانی: أن یتعلق بها بما هی فعل تسبیبی (و بعبارة أخری) بنفس المسبب، و ذلک کالنهی عن بیع المصحف أو العبد المسلم للکافر، فان المبغوض انما هو مالکیة الکافر لهما التی هی نوع من السلطنة و السبیل.
الثالث: أن یتعلق بالاثر الذی لا ینفک من المعاملة، بحیث لو لم تکن المعاملة فاسدة لم یمکن تحریم هذا الاثر، من جهة أنه لا معنی لصحتها عرفا و شرعا الا ترتب هذا السنخ من الاثر کالنهی عن أکل ثمن الکلب أو العذرة، فان صحة المعاملة و حصول الملکیة یستلزمان حلیة الثمن للبائع "انتهی".