و هذا التفصیل أیضا خلاف التحقیق، فالاقوی أن المسببات یجوز أن تکون مأمورا بها مطلقا.
فتلخص مما ذکرنا: أن المسبب فی الافعال التولیدیة فعل للمکلف، و انه یمکن تعلق الوجوب به، و أنه یترشح الوجوب منه الی السبب ان قلنا بوجوب مقدمة الواجب.
و لافرق فی ذلک بین أن یکون المسبب صادرا عن المکلف بواسطة واحدة أو یکون صادرا عنه بوسائط؛ بل و ان صار المکلف حین وصول أثره الی الهدف میتا، کما اذا رمی زید سهما من القوس بقصد قتل عمرو ثم مات زید قبل وصول سهمه الی الهدف؛ فحرکة الید فعل لزید بلاواسطة، و خروج السهم من القوس، و حرکته فی الجو، و وصوله الی عمرو، و ازهاق روح عمرو، کلها أفعال اختیاریة له مع الواسطة، فان کان ازهاق روح عمرو و اجبا علیه کان تحریک الید و سائر الوسائط مقدمات سببیة لذلک الواجب، و ترشح الوجوب علیها ان قلنا بوجوب المقدمة . و قد ظهر لک أیضا أن مراد الاصولیین من المقدمات السببیة هذا القسم من الاسباب، أعنی الاسباب للافعال التولیدیة .
السادس: أن من أحکام العلة التامة و أجزائها تقدمها علی المعلول رتبة، و ملاک التقدم فی العلة التامة هو وجوب الوجود، بمعنی أن العقل لایحکم بضرورة وجود المعلول الا و هو یحکم - فی هذه الرتبة - بضرورة وجود العلة أیضا، فیقال: وجبت العلة فوجب المعلول، و لکنه یحکم بضرورة وجود العلة فی رتبة من دون أن یحکم - فی هذه الرتبة - بضرورة وجود المعلول، و ملاک التقدم فی اجزاء العلة هو نفس الوجود، بمعنی أنه لایحکم بوجود المعلول الا أنه یحکم فی هذه الرتبة بوجود المقتضی أو الشرط مثلا.
و بالجملة : ما هو مقتضی العلیة هو تقدم العلة التامة و أجزائها علی المعلول تقدما طبعیا و رتبیا، و هذا من غیرفرق بین الموجودات الزمانیة و الموجودات الخارجة من وعاء الزمان، و أما اقتضاء العلیة لکون العلة و أجزائها متقدمة بالزمان علی المعلول فغیر معلوم، نعم لما کانت العلة التامة ما منه یفیض المعلول و هو فیض لها کان انفکاکه منها غیر جائز فهی مقارنة لمعلولها زمانا.
و أما الشرط مثلا فأی دلیل علی عدم جواز تقدمه أو تأخره زمانالقائل أن یقول: ان الشرط لما کان مؤثرا فی القابلیة کان هو بالنسبة الی وجود القابلیة کالعلة التامة، فیجب تقارنهما زمانا، و علی هذا فلایمکن کون الشرط الذی هو جزء من أجزاء العلة التامة متأخرا فی الوجود عن معلولها؛ اذا القابلیة ما لم تتحقق لم تؤثر العلة فی وجود المعلول، بداهة تقدم القابلیة علی الفعلیة . ح ع - م.؟.