طابق الحکم الظاهری للواقع کان عین الواقع؛ حیث ان المقصود من کلیهما و ما هو روحهما أمر واحد؛ لما عرفت من أن نفس ارادة الفعل و الشوق الیه صارت داعیة للبعث الواقعی أولا، و البعث الظاهری ثانیا؛ حتی یتسبب بهما الیه. و ان خالف الحکم الظاهری للواقع کانت صورة حکم لاحقیقة لها؛ من جهة عدم وجود الارادة علی طبقه، و عدم کون متعلقه محبوبا للمولی، و متعلقا لشوقه، و انما تعلق به القصد قهرا من جهة عدم تمیز صورة المخالفة من صورة الاصابة .
والحاصل: أن ما هو المشتاق الیه أولا للمولی و ما هو العلة الغائیة للبعث هو نفس الفعل المشتمل علی المصلحة ؛ و ارادته روح الحکم و حقیقته؛ غایة الامر أنه تتولد من هذه الارادة ارادة متعلقة بسببه أعنی البعث و الخطاب، فان له نحو سببیة فی النفوس التی لها ملکة الانبعاث من أوامر المولی؛ و ارادة الفعل ثابتة بنحو الاطلاق، و لذلک أثرت فی ایجاد خطاب مطلق غیرمرهون بالعلم و الجهل؛ و لکن لما کان ایجاده لغرض الانبعاث، و کان الانبعاث منه متوقفا علی العلم به؛ فلامحالة تصیر ارادة الانبعاث منه مقصورة علی صورة العلم به، بمعنی أن المولی بعد علمه بعدم قابلیة الخطاب للتأثیر فی نفس العبد من جهة جهله به لایعقل أن تنقدح فی نفسه ارادة انبعاثه من هذا الخطاب الخاص، و لکن لایضر ذلک باطلاق ارادة الفعل و الشوق الیه، بما هو هو، لابما أنه متسبب الیه بهذا الخطاب؛ و حینئذ فان کان جعل خطاب آخر طریقی مستلزما للمشقة الشدیدة مثلا، لزمه رفع الید عن واقعه؛ و ان لم یکن کذلک أو کان الواقع بمثابة من الاهمیة، بحیث لا یمکنه رفع الید عنه، لزمه جعل حکم ظاهری طریقی؛ لیصیر هو الباعث للعبد، بعد خیبة الخطاب الاول. فالعلة الغائیة لکلا الحکمین، و ما هو روحهما أمر واحد، و هو نفس ارادة الفعل و هی ثابتة فی حال الجهل بالخطاب الواقعی أیضا؛ و لذا أثرت فی ایجاد الخطاب الظاهری.
نعم؛ ارادة الانبعاث من الخطاب الواقعی نحو الفعل غیرثابتة فی حال الجهل؛ و انما الثابت حینئذ ارادة الانبعاث من الخطاب الظاهری نحوه، و علی هذا فان أرید بالحکم الواقعی نفس ارادة الفعل، قلنا انه فعلی فی حال الجهل أیضا، والخطاب الظاهری أیضا عینه ان طابقه و صوری ان خالفه، و ان أرید به ارادة الفعل، و لکن لامطلقا بل الفعل الذی یحصل خارجا بسبب داعویة الخطاب الواقعی، و بعبارة أخری ارادة الانبعاث من الخطاب الواقعی نحوه، قلنا انه شأنی فی حال الجهل؛ لما عرفت من أن ارادة الانبعاث قاصرة عن شمول مورد الجهل، و الفعلی حینئذ عبارة عن الخطاب الظاهری، فانه الذی أرید الانبعاث منه فعلا نحو الفعل.