و بالجملة : فالحیثیة المشترکة بین المسائل المتشتتة التی بلحاظها سمیت علما واحدا، و بسببها یمتاز هذا العم من غیره من العلوم، هی الغرض الداعی الی التدوین، لا الموضوع.
نعم، جمیع المحمولات المختلفة فی مسائل العلم من عوارض موضوع وحدانی، و هو عبارة عن حیثیة جامعة لموضوعات المسائل، متحدة معها خارجا، و ان کانت تغایرها مفهوما، تغایر الکلی و مصادیقه و الطبیعی و أفراده، و ربما لایکون له عنوان خاص و اسم مخصوص، و لا یلزم لنا تشخیصه. (انتهی)
هذه خلاصة ما ذکروه فی هذا المقام. والحق الحقیق بالتصدیق هو ما اختاره القدماء: من ان تمایز العلوم بتمایز الموضوعات، و یتضح ذلک بتمهید مقدمات:
المقدمة الاولی: لایخفی أنا اذا راجعنا کل واحد من العلوم المدونة، و قصرنا النظر علی نفس مسائله، من غیر التفات الی ما یکون خارجا من ذات المسائل من المدون و الاغراض و نحوهما، علمنا علما وجدانیا باشتراک جمیع تلک المسائل المتشتتة فی جهة و حیثیة لاتوجد هذه الجهة فی مسائل سائر العلوم، و تکون هذه الجهة جامعة بین تلک المسائل، و بسببها یحصل المیز بین مسائل هذا العلم، و بین مسائل سائر العلوم. و کذلک وجدنا فی کل مسألة من مسائل هذا العلم جهة و خصوصیة، تمیز هذه المسألة من غیرها من مسائل هذا العلم مثلا: اذا راجعنا مسائل علم النحو، و قطعنا النظر عن مدونه و الاغراض الباعثة علی تدوینه، رأینا أن جهة البحث فی جمعیها کیفیة آخر الکلمة من المرفوعیة و المنصوبیة و المجروریة، فهی خصوصیة ذاتیة ثابتة فی جمیع مسائله، مع قطع النظر عن المدون و الاغراض و نحوهما. و هی الجهة الجامعة بین هذه المسائل المتشتتة، و بسببها تمتاز هذه المسائل من مسائل سائر العلوم. و مع ذلک رأینا أن فی نفس کل مسألة منها خصوصیة ذاتیة بها تمتاز من غیرها من مسائله. و حیث لم تکن هاتان الجهتان خارجتین من ذوات المسائل بحکم الوجدان، فلامحالة لیستاخارجتین من الموضوع و المحمول؛ اذ النسبة معنی آلی، توجد فی جمیع القضایا بنحو واحد، و لاتختلف باختلاف المسائل.
المقدمة الثانیة : أنک اذا تتبعت العلوم المدونة، و دققت النظر فی مسائل کل واحد منها، رأیت أن بعض العلوم الموجودة یکون ما هو المحمول فی جمیع مسائلها أمرا واحدا کالعلم الالهی بالمعنی الاعم، فان المحمول فی جمیع مسائله مفهوم واحد و هو قولنا: "موجود" فیقال: الله موجود، العقل موجود، الجسم موجود، الجوهر موجود، الکم موجود، و هکذا. و أن بعضها مما یختلف