الامر بین الواجب المهم والحرام المؤکد، فلا محالة یتعین:
أولا: تعیین الخط الفاصل بین ما یجوز وما لا یجوز بتشریع حدود وقوانین یبین فیها بالتفصیل الموارد التی یجوز فیها مراقبة الناس والقبض علیهم والتحقیق منهم، وکیفیة معاملتهم فی التحقیقات، ویبین کیفیة ارتباط المستخبرین بجهاز القضاء وغیره من أجهزة الحکومة، ویمیز وظیفة کل منها. ولا یجوز أن یفوض الامر بنحو الاطلاق الی الموظف فی الاستخبارات بحیث یصنع کل ما شاء وأراد کما هو الرائج فی الحکومات الاستبدادیة .
وثانیا: اعمال الدقة والتعمق فی انتخاب الموظفین کما مر.
وثالثا: مراقبتهم حینا بعد حین بعیون بصیرة نافذة تراقبهم فی أعمالهم وعشرتهم، ثم مجازاة المتخلفین منهم بأشد المجازاة .
ولو فرض انحراف هذه المؤسسة الخطیرة الدقیقة عن برامجها وأهدافها ولو بنقطة صارت فی المآل فاجعة علی الدولة والامة معا.
الرابع: ربما یتوهم أن للمستخبر أن یتصدی فی طریق استخباراته للکذب، بل ولسائر المحرمات الشرعیة من شرب الخمر وأکل لحم الخنزیر وترک الصلاة والصیام ومصافحة الاجنبیة بل والروابط الجنسیة المحرمة ونحو ذلک مطلقا کما هو المتعارف بین جواسیس بلاد الکفر وقد یعبرون عن ذلک بأن الهدف یبرر الوسیلة .
أقول: هذا بکلیته ممنوع جدا، اذ الحکومة بنفسها لیست عندنا هدفا بل الهدف لیس الا تثبیت الاحکام الشرعیة فی المجتمع، ولا تشرع الحکومة والاستخبارات الا ما دامت واقعة فی طریق ذلک . ویجب أن یفدی الجمیع فی هذا الطریق. نعم لم یبحث فی کلمات الاصحاب الموازین المرجحة عند التزاحم فی نطاق الحکومة والسیاسة، نعم قد یقال ان مصلحة النظام أو المصالح العامة من أهم الامور وعند التزاحم تقدم علی غیرها، ولکنه لا یعلم المراد من مصلحة النظام أو المصالح العامة، فهل تنفک تلک المصالح عن مصالح تحقق واجراء الاحکام الشرعیة وقیمها؟ وهل تنفک مصالح النظام السیاسی الشرعی عن المصالح العامة ؟ وفی فرض التفکیک فی کلا الموردین أیهما یقدم علی الاخر؟ وهل الملاک تشخیص کل فرد أو موظف فی نطاق مسؤولیته أو تشخیص الحاکم ؟ والظاهر أن احالة الامر الی تشخیص کل فرد أو موظف فی الحکومة یستلزم غالبا الهرج والمرج وتضییع الحقوق المحترمة التی لحفظها أسست قاعدة التزاحم ومرجحاته. واما الحکومة وان کانت صالحة ولکنها تقدم غالبا مصالح نفسها علی غیرها عند التزاحم. فالاولی احالة الامر الی مجلس النواب المستقل فانه یتشکل من نواب الشعب ولهم حق النظر فی مصالح الشعب. فیلزم أن یحصوا ولو فی الجملة موارد التزاحم وموارد الاهم منها وفقا للعقل والشرع ویجعلوها قانونا لعمل الحکومة فی کل المجالات - م - . ربما یتوقف حفظ النظام أو المصالح العامة أو تثبیت واجب مهم