الحقوق المتقابلة فی النفوس والملة والاراضی والاموال اذا لم یقاتلوا المسلمین ولم یخرجوهم من دیارهم، لا بأن یتخذهم الوالی بطانة أو یجعل لهم سبیلا علی المسلمین وشؤونهم.
وبما ذکرناه من الایات والروایات یظهر لک أمران:
الاول: أن الامام والحاکم الاسلامی قائد ومرجع للشؤون الدینیة والسیاسیة معا، ولیس الدین منفکا عن السیاسة، نعم، ساحة الدین الحق بریئة من السیاسة الحدیثة المبنیة علی المکر والشیطنة والهضم للحقوق والبراعة فی الکذب والخداع.
ولیس معنی ذلک أن الامام بنفسه یتصدی لجمیع الشؤون بالمباشرة، بل کلما اتسع نطاق الملک وزادت التکالیف تکثرت الدوائر والمؤسسات والاجهزة . ولکن الامام بمنزلة رأس المخروط یحیط بجمیعها ویشرف علی الجمیع اشرافا تاما، فهو المسؤول والمکلف استفادة الاستاذ من الادلة فی محله وعلیها فالقیادة الدینیة هی القیادة فی العمل علی ما استنبط من المنابع وهی راجعة الی القوتین العلمیة والعملیة، کما قال الامام علی (ع): "أیها الناس ان أحق الناس بهذا الامر أقواهم علیه وأعلمهم بأمر الله فیه" (عبده: 2، 104، صالح : 247). ولکن هذه الادلة بل وغیرها لم تکن بصدد بیان التعبد بکون المرجع للشؤون الدینیة قائدا، أو التعبد بکون القیادة والمرجعیة معا، أو التعبد بکون القائد محیطا بجمیع الدوائر والمؤسسات والاجهزة ومشرفا علیها اشرافا تاما حتی نقول هو المسؤول والمکلف !!. بل یستفاد منها أن المهم فی نظر الشارع هو حصول مقاصده التی أشار الیها الاستاذ فی خمسة عشر أمرا، وأن الحکومة فی الحقیقة أداة لحصول هذه المقاصد. وأما الشکل المطلوب لهذه الاداة (الحکومة) فهو ما تقتضیه الظروف الزمانیة والمکانیة، المبتنی علی الاصول التی تستفاد من المنابع فی باب السیاسة الدینیة نظیر کون الامور شورائیا، وکون المتولی لکل أمر مبعوثا من قبل الناس، وکونه عالما، مدیرا، مدبرا، أمینا. نعم الظروف الحاکمة علی المجتمع فی زمن النبی والائمة (ع) تقتضی الشکل الذی بینته الادلة، ففی ذلک الزمان کان یمکن اجتماع القوة العلمیة والعملیة فی شخص واحد لقلة الامور الاجتماعیة وبساطتها وعدم الاحتیاج الی الخبرویة فی أکثرها. ومع الوصف رأینا ان ذلک انجر الی الانفراد بالسلطة والانانیة فی جمیع الولاة الا من عصمه الله. ولکن الیوم نری ادارة بلد صغیرة تحتاج الی علوم مختلفة تختص بکل واحد منها قوة عملیة لا یمکن اجتماعها فی شخص واحد عادة ، نظیر علم السیاسة، وعلم الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم معرفة الحلال والحرام الشرعیین والاهم من کلها علم المدیریة . ومن جانب أخری نری الشعوب صاروا ذا وعی سیاسی واجتماعی وذا معرفة بمصالحهم الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة بحیث لا ینتخبون الاشخاص والفئات السیاسیة ولا یعطونهم القدرة لیجعلوهم السادة علی أنفسهم، بل للصیانة عن هذه المصالح ولتحصیلها، فان رأووهم غیر قادرین علی ذلک یطالبون انعزالهم أو عزلوهم. ونری أیضا الجرائد والاحزاب والوسائل الحدیثة للمواصلات العامة تعین الناس الی مقاصدهم. نتیجة هذه التحولات ظهرت فی تفکیک القوی فی الحکومات الدارجة فی البلاد الی ثلاث سلطات مستقلة : التشریعیة والقضائیة والتنفیذیة وجعل کل واحدة منها لشخص أو لشوری بانتخاب الامة هو المسؤول تجاهها أو تجاه ممثلیها فی نطاق الاختیارات التی فوضت الیه بحسب القوانین. وحیث ان تصادم السلطات الثلاث فی بعض الاحیان من جهة تفسیر القانون أمر ممکن فلابد من مرکز مستقل متفق علیه لتفسیر القانون هو المرجع لرفع الخلافات الحادثة بین السلطات من تلک الجهة . وهذه السلطات وان کانت منفکة تعمل کل واحد منها فی حوزة مختصة بها ولکن مع الوصف تشترکون فی ادارة الامور وفقا للقانون تحت اشراف رئیس الجمهوریة فان مسؤولیته مضافا الی بعض الاعمال الجزئیة کالاستقبال للضیوف الاجانب واعطاء العلامة لضباط الجند وأمرائه ونحوه، الاشراف علی ادارة الامور وفقا للقانون. ولا یشترط فی رئیس الجمهوریة ولا فی المسؤول علی اجراء القوانین کونهما مجتهدین مطلقا، بل ولا متجزیین، بل یکفی کونهما مدیرین مدبرین أمینین ملتزمین باجراء القوانین التی تبتنی علی فتاوی المراجع وأیدت من قبلهم. وهذا القول لا یضر بصدق الحکومة الاسلامیة لان المقصد الاسنی لها هو حاکمیة أصول الاسلام وأحکامه لا سلطة الفقیه کیف ما کان، بل اشتراط الفقاهة والاعلمیة عند القائل به یکون بهذه الجهة اذ رب فقیه مجتهد مطلقا لم یقدر علی اجراء الاسلام فی مقام العمل والادارة . ولیس لازم هذا القول أیضا تقدیم المفضول علی الفاضل أو الفاضل علی الافضل لان القیادة العلمیة حاکمة علی القیادة العملیة علی کل حال فان المسؤول للاجراء مجر للقوانین الصادرة عن القیادة العلمیة التی تمثلت فی مجلس النواب وشوری المراجع - م - ..
.jpg)
