و لا یصح هذا التجاهل للعقل من الاشاعرة، فان العقل هو محور اثبات وجودالله و التوحید و النبوة و المعاد و الدین و الشریعة، و قد حث الله الناس فی القرآن الکریم علی التعقل و التفکر و التدبر، کما اننا ندرک بفطرتنا و وجداننا ان للعقل - بقطع النظر عن الایمان بالله و الشریعة - احکاما قاطعة بالنسبة لکثیر من الافعال الاختیاریة، فهو یحکم بحسن بعضها و مدح فاعلها و تکریمه، و یقبح بعضها و یذم فاعلها، و هو أمر عام لا فرق فیه بین الناس، فجمیع الامم تری حسن العدل و الاحسان و الصدق و الامانة و تمدح فاعلها، و تری قبح الظلم و الاعتداء و الغش و الخیانة، و تذم فاعلها، بل حتی عقل الاشاعرة أنفسهم - برغم انکارهم للحسن و القبح العقلیین فی مقام البحث و الجدل - یحکم بهذه الاحکام؛ لکونهم بشرا یملکون الفطرة الانسانیة .
و طبعا قد یتوقف العقل احیانا فی بعض الامور بسبب جهله خصوصیاتها و لوازمها، او یتردد فی صدق بعض العناوین القطعیة الکلیة علی بعض الموارد، او یکون بحاجة الی تفکیر و امعان نظر و بحث فی موارد التزاحم بین الملاکات و ترجیح بعضها علی بعض، الا انه بالنسبة الی کثیر من الموضوعات عنده أحکام فعلیة قطعیة، و یکون حکمه - طبعا - حجة شرعیة، و هذا هو معنی القاعدة المعروفة "کل ما حکم به العقل، حکم به الشرع" کما یصدق العکس أیضا و هو "کل ما حکم به الشرع، حکم به العقل"، بمعنی ان الحکم الشرعی لا یخلو من حکمة، فنستکشف وجود المصلحة فی الشئ من خلال حکم الشارع به، ولو ان العقل قد ادرک تلک المصلحة لحکم بذلک الشئ أیضا، و یعبر عن هاتین القضیتین اصطلاحا ب"قاعدة الملازمة بین العقل و الشرع".