الباطل. و علی هذا، فان اقتراف القبائح انما هو من فعل الناس أنفسهم، و یقومون به بارادتهم وهم مسؤولون عن عملهم. و طالما کان الامر کذلک، یتضح أن ثواب المحسنین وعقاب المسیئین أمر منطقی و موجه. و هذا أقل ما یرتجی من اله حکیم و عادل. فالله لایجبر أحدا علی فعل، لکی لایبدو عمله قبیحا فیما لو عاقب أحدا علی سوء فعله.
اذا ارتکب الانسان المعاصی، واقترف فسقا و فجورا، وهضم حقوق الاخرین و ظلمهم من جهة، و قام بأعمال حسنة من جهة أخری، کأن قام بمساعدة المحتاجین و بادر الی فعل الخیرات، فان أخذت هذه الاعمال علی حد سواء و لم یجاز علی الحسن و علی القبیح من أفعاله، فان هذا الحال لایتناسب مع عدل الله و لاینسجم مع حکمته. فهل من العدل أن یستوی من یفعل السیئات و یظلم مع من یفعل الخیرات ویحسن ؟ و هل یستوی المحسنون والمسیئون ؟ و هل من الحکمة أن یتساوی من یتحملون المشقة و یؤدون ما علیهم من تکالیف و فرائض و یجتنبون اللذائذ المحرمة، مع المتهتکین والظلمة والفساق ؟ العقل یحکم بأن مثل هذا التساوی بعید عن العقل والحکمة .
و أما بالنسبة الی القضیة الثانیة : فان ما یعانیه البعض من عاهات و ما یقع لبعضهم الاخر من موت مبکر، و ما یوجد بین الناس من تفاوت فی القدرات والمؤهلات و ما شابه ذلک، فهی أمور تعود الی ما یقع فی العالم من وقائع وتغیرات. ان الله هو المصدر الاساسی لکل التحولات والاحداث فی العالم، و لکن هذه التحولات تقع ضمن قواعد وسنن. أی أن الله خلق العالم لیسیر فی اطار مجموعة من الاسباب والمسببات. فکل علة تنتج معلولها حسب مقتضیاتها. فان تمت الظروف والمقتضیات یأتی المعلول تاما و متناسبا مع علته، و الا فانه یأتی ناقصا. فالعاهات البدنیة، والموت المبکر، والالام والامراض، والمعاناة، تأتی کلها نتیجة لتفاعل عوامل طبیعیة، و قد جعلت العوامل الطبیعیة فی نظام الخلقة لتقدم معطیاتها بشکل شمولی، و عند التعارض مع بعضها یتضرر المعلول بالعامل الغالب و یحصل النقص.
و علاوة علی ذلک، فان ما یعطیه الله فهو من جوده و فضله. والاکثار أو الاقلال فی العطاء للبعض خاضع لمدی استیعابهم و للظروف المحیطة بهم. و ما یقع لبعض الناس من