صفحه ۴۸۷

التقیة والکتمان

أحکام الاسلام لیست کلها علی درجة واحدة من حیث الوجوب أو من حیث الحرمة . فبعضها علی النحو الذی یأمر الله العباد بتنفیذها أو الامتناع عنها فی کل الظروف والاحوال، و هی ما یعبر عنها ب- "الواجبات المؤکدة" أو "المحرمات المؤکدة". أما البعض الاخر من الاحکام فهی أدنی منها من حیث التأکید، بل هناک تساهل فیها.

الانسان له قیمة علیا و کرامة سامیة، فقد جاء فی روایة صحیحة عن الامام الصادق (ع) ان حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة الکعبة .الصدوق، الخصال، باب الواحد، ص 27، الحدیث 95. و جاء فی الاثر أیضا: ان حرمة مال المؤمن کحرمة دمه، و لعرضه أیضا مثل هذه الحرمة .

هناک حقیقة لابد من الالتفات لها، و هی أن أحکام الاسلام شرعت کلها من أجل سعادة الانسان فی الدنیا والاخرة . و هذا یعنی أنها تتطابق مع الفطرة . ولو حصل تعارض بین حفظ نفس المؤمن و شخصیته و حفظ أحکام الدین، أو کان العمل بالاحکام مدعاة للمخاطرة بالنفس والعرض، فهنا یکون حفظ النفس والعرض مقدم.

جاء فی روایة عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "ان التقیة دینی و دین آبائی"الحر العاملی، وسائل الشیعة، الباب 24 من أبواب الامر والنهی، ج 16، ص 210، الحدیث 24. و مفاد هذه الروایة واضح، و هو أن التأکید علی العمل بالحکم یلغی فی حالة وجود خطر یهدد کرامة المسلم أو نفسه، و لکن التقیة ربما لاتعنی أحیانا أداء أو عدم أداء حکم، بل تعنی الکتمان و حفظ السر؛ أی عدم افشاء الاسرار التی تؤدی الی الاضرار بماله و نفسه و أموال و أنفس غیره. بل لاتعنی التقیة فی حالات کثیرة ترک واجب و فعل محرم، و انما التکتم فی أداء الواجبات و عدم المجاهرة . غیر أن هذا یتوقف عند حدود معینة ؛ اذ لایجوز لاحد أن یبیح لنفسه قتل برئ لمجرد الخوف من القتل فیما لو امتنع عن تنفیذ أوامر الجائرین. و هذه الحالات تدخل فی عداد حقوق الناس. والتقیة تجوز، بل تجب فی بعض الموارد فی حق الله، عندما تتحقق شروطها.

ناوبری کتاب