صفحه ۲۵۳

الصبر

ان عوادی الدهر و ما یکتنفه من سراء وضراء، و کذلک مواجهة الذنوب، قد تبعد الانسان أحیانا عن الطریق القویم، فتزل قدمه عن طریق الله من غیر أن یشعر و یقع فی حبائل الشیطان. و انطلاقا من ذلک فقد وردت ارشادات و وصایا موکدة تحث علی الصبر والثبات علی طریق الحق، و عدم الانجراف الی مهاوی النزوات. والصبر یعنی سعة الصدر والقدرة علی تحمل الشدائد والحوادث المریرة . و قد فسر الخواجة نصیرالدین الطوسی الصبر بضبط النفس ولجمها عن الجزع فی الملمات.الطوسی، نصیرالدین، اوصاف الاشراف، ص 108، الفصل 5، الباب 3.

الصبر لیس موقفا سلبیا واستسلاما مطلقا للحوادث، و هو لایعنی الخمود والجمود والانهیار أمام الشدائد، و انما هو عبارة عن جهد حثیث وسعی دؤوب لحل عقدة مستعصیة والعثور علی سبیل للتخلص من منعطف ضیق، و من مأزق عصیب، مع التحمل و عدم الجزع، والصبر یصنع انسانا صلبا یخوض غمار الحیاة بجلد و یعالج صعاب الامور بأناة و تدبیر. و من ثمار شجرة الصبر الحلم و کظم الغیظ.

ان الغایة من تهذیب النفس سحق الاهواء والتحرر من النزوات. و هذا بطبیعة الحال یستلزم ضربا من المشقة و ترویض النفس، و لابد له من صبر وثبات. و لاشک فی أن الصبر یحصن النفس بوجه الاهواء، و یطبعها علی تحمل الشدائد. و للصبر درجات تتناسب مع مراتب المصاعب. و قد یکون الصبر تارة فی مواجهة المصائب والمعضلات، و قد یکون تارة أخری صبرا علی الطاعة، و یکون تارة ثالثة صبرا عن المعصیة و محاربة هوی النفس.

جاء فی حدیث عن رسول الله (ص) أنه قال: "الصبر ثلاثة : صبر عند المصیبة و صبر علی الطاعة و صبر عن المعصیة".الکلینی، الکافی، ج 2، ص 91، الحدیث 15.

و فی ضوء الحدیث الانف الذکر ندرک معنی قول الامام الصادق (ع): "الصبر من الایمان بمنزلة الرأس من الجسد".المصدر السابق، ص 87، الحدیث 2. فعندما یقطع الرأس یفنی الجسد، و کذلک الصبر اذا

ناوبری کتاب